فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اللغة:

{ثبات} جمع ثبة وهي الجماعة أي جماعة بعد جماعة.
{بروج} جمع برج وهو البناء المرتفع والقصر العظيم، والمراد به هنا الحصون.
{مشيدة} مرتفعة البناء.
{بيت} دبر الأمر ليلا، والبيات أن يأتي العدو ليلا، ومنه قول العرب: أمر بيت بليل.
{أذاعوا به} أشاعوه ونشروه.
{يستنبطونه} يستخرجونه مأخوذ من استنبطت الماء إذا استخرجته ومنه استنباط الأحكام من الكتاب والسنة.
{حرض} التحريض: الحث على الشيء.
{تنكيلا} تعذيبا والنكال: العذاب.
{كفل} نصيب وأكثر ما يستعمل الكفل في الشر.
{مقيتا} مقتدرا من أقات على الشيء قدر عليه، قال الشاعر:
وذي ضغن كففت النفس عنه ** وكنت على مساءته مقيتا

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} هذا خطاب للمؤمنين المخلصين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأمرٌ لهم بجهاد الكفار والخروج في سبيل الله وحماية الشرَع.
ووجه النظم والاتصال بما قبلُ أنه لما ذكر طاعة الله وطاعة رسوله، أمر أهل الطاعة بالقيام بإحياء دينه وإعلاء دعوته، وأمرهم ألاّ يقتحموا على عدوّهم على جهالة حتى يتحسّسوا إلى ما عندهم، ويعلموا كيف يرِدُون عليهم، فذلك أثبت لهم فقال: {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} فعلّمهم مباشرة الحروب.
ولا ينافي هذا التوكُّلَ بل هو مقام عين التوكل كما تقدّم في آل عمران ويأتي. اهـ.

.قال الفخر:

الحذر والحذر بمعنى واحد، كالأثر والأثر، والمثل والمثل، يقال: أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف، كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه، والمعنى احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم، هذا ما ذكره صاحب [الكشّاف].
وقال الواحدي رحمه الله فيه قولان:
أحدهما: المراد بالحذر هاهنا السلاح، والمعنى خذوا سلاحكم، والسلاح يسمى حذرا، أي خذوا سلاحكم وتحذروا، والثاني: أن يكون {خُذُواْ حِذْرَكُمْ} بمعنى احذروا عدوكم لأن هذا الأمر بالحذر يتضمن الأمر بأخذ السلاح، لأن أخذ السلاح هو الحذر من العدو، فالتأويل أيضا يعود إلى الأول، فعلى القول الأول الأمر مصرح بأخذ السلاح، وعلى القول الثاني أخذ السلاح مدلول عليه بفحوى الكلام. اهـ.

.قال البيضاوي:

والآية وإن نزلت في الحرب لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات. اهـ.

.قال القرطبي:

والحذر لا يدفع القدر خلافا للقدرية في قولهم: إن الحذر يدفع ويمنع من مكائد الأعداء، ولو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى.
فيقال لهم: ليس في الآية دليل على أن الحذر ينفع من القدر شيئًا، ولكنا تُعبِّدنا بألاَّ نُلْقي بأيدينا إلى التهلكة؛ ومنه الحديث: «اعقِلْها وتوكّل» وإن كان القدر جاريا على ما قضى، ويفعل الله ما يشاء؛ فالمراد منه طمأنينة النفس، لا أنّ ذلك ينفع من القدر وكذلك أخذ الحذر.
والدليل على ذلك أن الله تعالى أثنى على أصحاب نبيّه صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا} [التوبة: 51] فلو كان يصيبهم غير ما قضى عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

قال جميع أهل اللغة: الثبات جماعات متفرقة واحدها ثبة، وأصلها من: ثبيت الشيء، أي جمعته، ويقال أيضًا: ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه، وتأويله جمع محاسنه، فقوله: {فانفروا ثُبَاتٍ أَوِ انفروا جَمِيعًا} معناه: انفروا إلى العدو إما ثبات، أي جماعات متفرقة، سرية بعد سرية، وإما جميعا، أي مجتمعين كوكبة واحدة، وهذا المعنى أراد الشاعر في قوله:
طاروا إليه زرافات ووحدانا.. ومثله قوله تعالى: {فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] أي على أي الحالتين كنتم فصلوا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}
استئناف وانتقال إلى التحريض على الجهاد بمناسبة لطيفة، فإنّه انتقل من طاعة الرسول إلى ذكر أشدّ التكاليف، ثمّ ذكر الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وكان الحال أدعى إلى التنويه بشأن الشهادة دون بقية الخلال المذكورة معها الممكنة النوال.
وهذه الآية تشير لا محالة إلى تهيئة غزوة من غزوات المسلمين، وليس في كلام السلفِ ذكر سبب نزولها، ولا شكّ أنّها لم تكن أوّل غزوة لأنّ غزوة بدر وقعت قبل نزول هذه السورة، وكذلك غزوة أحد التي نزلت فيها سورة آل عمران، وليست نازلة في غزوة الأحزاب لأنّ قوله: {فانفِروا ثبات} يقتضي أنّهم غازون لا مغزوّون، ولعلّها نزلت لمجرّد التنبيه إلى قواعد الاستعداد لغزو العدوّ، والتحذير من العدوّ الكاشح، ومن العدوّ الكائد، ولعلّها إعداد لغزوة الفتح، فإنّ هذه السورة نزلت في سنة ستّ، وكان فتح مكة في سنة ثمان، ولا شكّ أنّ تلك المدّة كانت مدّة اشتداد التألّب من العرب كلّهم لنصرة مشركي قريش والذبّ عن آلهتهم، ويدلّ لذلك قوله بعد {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين} [النساء: 75] إلخ، وقوله: {فإن كان لكم فتح من الله} [النساء: 141] فإنّ اسم الفتح أريد به فتح مكة في مواضع كثيرة كقوله: {فجعل من دون ذلك فتحًا قريبًا} [الفتح: 27].
وابتدأ بالأمر بأخذ الحذر.
وهي أكبر قواعد القتال لاتّقاء خدع الأعداء.
والحِذْرُ: هو توقّي المكروه.
ومعنى ذلك أن لا يغترّوا بما بيَّنهم وبين العدوّ من هدنة صلح الحديبية، فإنّ العدوّ وأنصاره يتربّصون بهم الدوائر، ومن بينهم منافقون هم أعداء في صورة أولياء، وهم الذين عنوا بقوله: {وإنَّ منكم لمن ليُبطئنّ} إلى {فوزًا عظيمًا}.
ولفظ {خذوا} استعارة لمعنى شدّة الحذر وملازمته، لأنّ حقيقة الأخذ تناول الشيء الذي كان بعيدًا عنك.
ولما كان النسيان والغفلة يشبهان البعد والإلقاء كان التذكّر والتيقّظ يشبهان أخذ الشيء بعد إلقائه، كقوله: {خذ العفو} [الأعراف: 199]، وقولهم: أخذ عليه عهدًا وميثاقًا.
وليس الحذر مجازًا في السلاح كما توهمّه كثير، فإنّ الله تعالى قال في الآية الأخرى {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} [النساء: 102].
فعطف السلاح عليه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَوِ انفروا جَمِيعًا} معناه الجيش الكثيف مع الرسول عليه السلام؛ قاله ابن عباس وغيره.
ولا تخرج السرايا إلا بإذن الإمام ليكون متجسسا لهم، عَضُدًا من ورائهم، وربما احتاجوا إلى دَرْئه. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ} أي عدتكم من السلاح قاله مقاتل وهو المروي عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه، وقيل: الحذر مصدر كالحذر، وهو الاحتراز عما يخاف فهناك الكناية والتخييل بتشبيه الحذر بالسلاح وآلة الوقاية، وليس الأخذ مجازًا ليلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز في قوله سبحانه: {وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] إذ التجوز في الإيقاع، وقد صرح المحققون بجواز الجمع فيه، والمعنى استعدوا لأعدائكم أو تيقظوا واحترزوا منهم ولا تمكنوهم من أنفسكم {فانفروا} بكسر الفاء، وقرئ بضمها أي: أخرجوا إلى قتال عدوكم والجهاد معه عند خروجكم، وأصل معنى النفر الفزع كالنفرة، ثم استعمل فيما ذكر {ثُبَاتٍ} جمع ثبة وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة، وقيل: فوق الاثنين، وقد تطلق على غير الرجال ومنه قول عمرو بن كلثوم:
فأما يوم خشيتنا عليهم ** فتصبح خيلنا عصبًا (ثباتًا)

ووزنها في الأصل فعلة كحطمة حذفت لامها وعوض عنها هاء التأنيث وهل هي واو من ثبا يثبو، كعدى يعدو أي اجتمع، أو ياء من ثبيت على فلان بمعنى أثنيت عليه بذكر محاسنه وجمعها؟ قولان، وثبة الحوض وسطه واوية، وهي من ثاب يثوب إذا رجع، وقد جمع جمع المؤنث، وأعرب إعرابه على اللغة الفصيحة، وفي لغة ينصب بالفتح، وقد جمع أيضًا جمع المذكر السالم فيقال: ثبون، وقد اطرد ذلك فيما حذف آخره وإن لم يستوف الشروط جبرًا له، وفي ثائه حينئذٍ لغتان: الضم والكسر، والجمع هنا في موضع الحال أي انفروا جماعات متفرقة جماعة بعد جماعة {أَوِ انفروا جَمِيعًا} أي مجتمعين جماعة واحدة، ويسمى الجيش إذا اجتمع ولم ينتشر كتيبة، وللقطعة المنتخبة المقتطعة منه سرية، وعن بعضهم أنها التي تخرج ليلًا وتعود إليه وهي من مائة إلى خمسمائة، أو من خمسة أنفس إلى ثلثمائة وأربعمائة، وما زاد على السرية منسر كمجلس ومنبر إلى الثمانمائة فإن زاد يقال له: جيش إلى أربعة آلاف، فإن زاد يسمى جحفلًا ويسمى الجيش العظيم خميسًا وما افترق من السرية بعثًا وقد تطلق السرية على مطلق الجماعة، والآية وإن نزلت في الحرب لكن فيها إشارة إلى الحث على المبادرة إلى الخيرات كلها كيفما أمكن قبل الفوات. اهـ.

.قال القرطبي:

ذكر ابن خُوَيْزِ مَنْدَاد؛ وقيل إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] وبقوله: {إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ} [التوبة: 39]؛ ولأن يكون {انفروا خِفَافًا وَثِقَالًا} [التوبة: 41] منسوخًا بقوله: {فانفروا ثُبَاتٍ أَوِ انفروا جَمِيعًا} وبقوله: {وَمَا كَانَ المؤمنون لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً} [التوبة: 122] أولى؛ لأن فرض الجهاد تقرر على الكفاية، فمتى سَدّ الثغور بعضُ المسلمين أسقط الفرض عن الباقين.
والصحيح أن الآيتين جميعًا مُحكَمَتان، إحداهما في الوقت الذي يحتاج فيه إلى تعيّن الجميع، والأخرى عند الاكتفاء بطائفة دون غيرها. اهـ.